لاتزال الأخطاء الطبية تمثل هاجسا مزعجا في المجتمع إذ لا يكاد يمر علينا أسبوعا
إلا ونسمع في وسائل الإعلام عن الأخطاء الطبية .. أخطاء في وصف الأدوية والجرعات
الخاطئة ..الأخطاء المتعلقة بالفحوص الطبية ..الأخطاء في العمليات الجراحية
..التشخيص الخاطيء ..وغيرها من أخطاء تحدث في العيادات والمستوصفات والمستشفيات
والمراكز الصحية والصيدليات ..مما يجعلنا نتساءل عن أسباب هذه الأخطاء، هل هو
الإهمال أم النسيان أم وجود كفاءات غير مؤهلة تتلاعب بأرواح الناس وتعرض حياتهم
للخطر؟ فهل أصبحت مهنة الطب تحمل مواصفات التجارة التي يغلب عليها جانب الربح؟
وأين الجانب الإنساني في هذه المهنة التي تُعنى بحياة الناس؟
أهلية الطبيب
العمل الطبي هو نشاط يتوائم في كيفية وظروف أدائه مع القواعد والأصول الراسخة في
علم الطب، ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض، وهو لا يصدر إلا من شخص مرخص له قانوناً
بمزاولة مهنة الطب، ومن أهم ما يتطلَّبه القانون لإعطاء هذا الترخيص حصول طالبه على
المؤهل الدراسي الذي يؤهِّله لهذه المهنة، اعتباراً بأن الحاصل على هذا المؤهل هو
وحده الذي يستطيع أن يباشر العمل الطبي طبقاً للأصول العلمية المتعارف عليها،
والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجياً أي يستهدف بالدرجة الأولى تخليص المريض من
مرض ألمَّ به أو تخفيف حدته أو تخفيف آلامه. يُعَدُّ كذلك من قبيل الأعمال الطبية
ما يستهدف الكشف عن أسباب تدهورالصحة، أو مجرد الوقاية من مرض، وأن إباحة عمل الطبيب
مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للقواعد والأصول العلمية المقرَّرة، وعلى ذلك
يمكن القول إن العمل الطبي هو عمل مشروع حتى ولو ساءت حالة المريض، ولكن إذا اقترن
هذا العمل بخطأ ما سئل الطبيب عنه مسؤولية غير عمدية.
حالات كان سببها الخطأ
والأخطاء الطبية هي عبارة عن أخطاء يتم إرتكابها في المجال الطبي نتيجة إنعدام
الخبرة او الكفائة من قبل الطبيب الممارس أو نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة
وتجريبية في العلاج أو نتيجة حالة طارئة يتطلب السرعة على حساب الدقة أو نتيجة
طبيعة العلاج المعقد تصل نسبة حالات الوفاة نتيجة خطأ طبي إلى معدلات عالية سنويا
في معظم انحاء العالم، وبلدنا لا يخلو من هذا الهاجس المزعج، ف "الحاج عبد الكبير وبعد أن تقدم به العمر وبصره لم يعد ينقل له ما يحيط به بشكل واضح لجأ إلى المستشفى ليغير عدسة عينه وكلفته هذه العملية من المال الكثير ولكن وبعد أن دخل غرفة العمليات رفقة حالة أخرى وبدل أن يزرع الطبيب العدسة الخاصة بالحاج في عينه أبدلها له بعدسة الحالة الأخرى ليكون الحاج عبد الكبير وبعد أن دخل إلى غرفة العمليات يبصر القليل بعينه سيخرج منها لا يبصر شيئا ليعترف الطبيب وببرودة دم "خطأ طبي يجب إعادة العملية"، الأمور أصبحت بسيطة عند بعض أطبائنا الاعتراف بالخطأ الطبي لا يتجاوز اعترافا ببضع كلمات يتيمة وفي أحسن الأوضاع تكون مصحوبة باعتذار جاف.
حالة الأم مباركة أحسن حالا من الحاج على الأقل هي سعفتها الظروف لتبقى حية وتحكي لـ"التجديد" محاولة ارتكاب خطأ طبي في حقها كان سيودي بحياتها لولا حفظ الله ورحمته تقول "أصبت بورم في قدمي مما استلزم معه إجراء عملية قصدت السويسي- مستشفى عمومي بالرباط- وأتذكر أنهم وبعد أن أدخلوني غرفة العمليات وأحمد الله كثيرا أن "البنج" لم ينل مني فتتحت عيني على
أحدهم بوزرته البيضاء تتجه فحوصاته ويديه نحو جهة صدري عندما سألته"أش كدير أولدي" أجابني "غادي نحيدوليك المرارة أميمتي" وهنالك انتفضت شارحة لهم أني هنا من أجل قدمي وليست مرارتي ليتم استدراك الأمر.
أما حالة بشرى.ح كانت أكثر الحالات مأساوية فبسبب خطأ طبي دخلت المستشفى راجلة لتغادره جثة هامدة فالضحية ولجأت إحدى مستشفيات مكناس من أجل وضع مولود انتظرته وزوجها بفارغ الصبر وبعد الوضع أصيبت بشرى.ح بنزيف حاد دخلت معه في غيبوبة فارقت معها الحياة وكما صرح أحد الأطباء لذوي الضحية أن الطبيب المشرف على هذه الحالة ما كان عليه أن يجري لهاالعملية وضغطها منخفض ونسبةالسكر مرتفعة عندها بأربع غرامات ولكن بين ما لايجب أن يقع والواقع مسافةانتهت بلفظ بشرى أنفاسها الأخيرة في مستشفى عمومي التي ستؤرخ ذاكرته بقسوة وإهمال بعض أطبائه.
حول أسباب وقوع مثل هذه الأخطاء ذكر لنا الدكتور سعيد الكرعاني تخصص طب عام أن هناك
أسباب تتعلق بالطبيب، وأخرى تتعلق بظروف العمل، فما يتعلق بالطبيب لابد أن يكون
كفئا من الناحية النظرية والعملية وإلا وقع في عدة أخطاء طبية، وهنا لابد من الوقوف
عند قضية تدريس الطب في بلادنا، فلا يعقل مثلا أن رصيد مادة الطب الاستعجالي 40
ساعة فقط من البرنامج الدراسي الذي يتلقاه الطبيب طيلة مسيرته الدراسية، بينما
يتلقى 120 ساعة من التشريح المرضي وهو مادة جد متخصصة، فكان الأولى أن يكون العكس
خاصة في مرحلة التكوين المتعلق بالطبيب العام الذي تستغرق مدته 7 سنوات، فهذ خلل
بيداغوجي كبير يستدعي المراجعة، أما اللسب المرتبط بظروف العمل ومزوالة المهنة
الطبية يقول سعيد من المعلوم أن الخصاص في عدد الأطباء وعدد الممرضين، وكذا الخصاص
على المستوى التقني يجعل من المستحيل على الطبيب أن يؤدي عمله وفق أصول المهنة
المتعارف عليها دوليا، كما أن مهنة الطب بطبيعتها يرتفع فيها معدل التوثر والضغط
النفسي، فما بالك إذا أضفنا إلى ذلك النقص على مستوى الموارد البشرية والتقنية.
هل من عقوبات؟
بالنسبة لهذه الأخطاء الطبية التي يروج عنها الكلام في القنوات الفضائية، يقول
الدكتور حسن الغربي ينبغي أن نعلم أن الطبيب حين يكون يمارس مهنته فإن ذلك يكون من
باب أداء الواجب، وبالتالي فإن كان هذا الطبيب يؤدي مهمته كما أقسم على ذلك من خلال
القسم وكان يمارسه بهذه الطريقة فهو يكون محصنا، فإذا وقع في خطأ ما فإن الحكم الذي
يطبق عليه" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" والخطأ أنواع، فإذا كان الخطأ مقصود حيث
يقصد الطبيب أن يؤثر أو يضر بالمريض، فهذا لم يعد خطأ، وبالتالي يطبق عليه حكم الله
في ذلك، وتبث في ذلك المحاكم التي يخول لها التحقيق في هذه القضايا، أما إذا كان
هناك شك هل هو خطأ مقصود أوغير مقصود فيحال أيضا المحاكم المختصة، بالإضافة إلى
أخطاء أخرى كثيرة لا يمكن الوقوف عندها كاملة، فكل حالة لها حكم خاص بها لايمكن
تعميمه على باقي الحالات.
أما الدكتور أوس الرمال أكد على أن التشريع الإسلامي قد أحاط الموضوع بعناية
معتبرة و عدد من القواعد الفقهية تؤكد ذلك. مثل قاعدة "المفرط أولى بالغرامة"التي
تقتضي أن الطبيب الذي مارس عمله و ارتكب خطأ في إطار تخصصه الطبي فإن خطأه يكون
خطأ محضا يدخل في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه" وما يترتب على عن هذا الخطأ من إتلاف في الأعضاء
والجوارح يمكن أن يتم فداءه من الصناديق التضامنية أو التأمينية قياسا على ما يجري
على خطأ القاضي والقاعدة الفقهية المعروفة"خطأ القاضي في بيت المال".أما الطبيب
الذي يحدث إتلافا في الأعضاء والجوارح بمناولات طبية تتجاوز تخصصه العلمي؛ فإن هذا
يكون أقرب إلى العمد من الخطأ . والواجب أن يتحمل العاقبة ـ مع النظر إلى الظروف
والملابسات ـ والمشرع المغربي يعرض هذه الأخطاء على الخبراء المحلفين الذين يرفعون
تقريرهم إلى القاضي ليحكم بما يراه عدلا. وهنا أمر بالغ الأمية، وهو أن هذا الخبير
يجب أن يكون مختارا وفق كفاءته وأمانته( القوي الأمين) وليس حسب انتماءاته
وولاءاته، لأنه يكون بمثابة"أمين المهنة".
حلول
بالنسبة للحلول رأى الدكتور سعيد أنه لابد من إصلاح البرنامج الدراسي بكلية الطب،
وهذا جزء من اصلاح التعليم ببلدنا، ثم لابد أن يصبح التكوين المستمر عقيدة راسخة
لدى الأجيال الصاعدة من الطباءن فالمعرفة الطبية تتجدد بشكل سريع ن وهذا يستدعي
المواكبة المتواصلة ، كما نبه الدكتور إلى أهمية الأخلاق، حيث شدد على رد الاعتبار
لسؤال الخلاق في مناشط الحياة كلها ، وفي الممارسة الطبية على وجه الخصوص، فضمير
الطبيب هو صمام الأمام الذي بفقده يضيع جوهر الرسالة لمهنة الطب ، فالطب مهنة لها
تعلق بأرواح الناس مما يجعل مزاولتها تحتاج إلى يقظة أخلاقية خاصة، كما انه ينبغي
تحسين ظروف الممارسة الطبية لتوفير الموارد البشرية والتقنية الكافي حتى تخرج هذه
الممارسة من الإعتباطية إلى المعيارية.
بهيجة التيجي/ رشيد لخضر
الموضوع منقول لتشابه الوضاع فى الكثير من البلدان العربيه