ما هو التفكير؟
التفكير
أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم ، ومع ذلك فهو من اكثر المفاهيم
غموضاً وأشدِّها استعصاءً على التعريف . ولعلَّ مردَّ ذلك إلى أن التفكير
لا يقتصر أمرُه على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها ، بل هو عملية معقدة
متعددة الخطوات ، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها . فهو
نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معيَّن ، مما يؤدي إلى تفاعلٍ
ذهنيٍّ ما بين قُدُرات الذكاء وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص
المفكر ، ويحصل ذلك بناءً على دافعٍ لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير
المعوقات .
يتضح لنا من هذا العرض أن التفكير عملية ذهنية لها
أركان وشروط ، وتدفعها دوافع ومثيرات ، وتقف في طريقها العقبات . كما
نلاحظ تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة والمتأثرة بالتفكير
، ولعلَّ هذا ما يُفسّر كثرة التعريفات الواردة على التفكير ، وكثرة
التقسيمات المتعلقة به وبعملياته ونواتجه .
بناءً على ذلك يمكن صياغة التعريف التالي للتفكير:
التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع .
حيث
يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه ؛ أما الخبرة فهي
ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع ، ومعايشته له، وما اكتسبه من
أدوات التفكير وأساليبه ؛ وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية
الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة . ويحتاج التفكير إلى دافع
يدفعه ، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية
مؤهلة ومهيأة للقيام به .
يلجأ الناس في محاولتهم فهم التفكير أو العقل إلى مصادر ثلاثة هي :
أ- الفلسفة
ب- علم النفس
جـ- علم الأعصاب
ولكنهم يهملون عن عمد مصدراً آخر على جانب كبير من الأهمية والفائدة ، أو يتجنَّبونه عن غفلةٍ واستحياء ، ألا وهو :
د- الفكر الإسلامي
والمتمثل
في الكتاب والسنة وآثار الصحابة والكم النوعي الهائل من الفكر الذي نشأ
لخدمتها جميعا ، مثل علوم القرآن والحديث واللغة وعلم الفقه وأصوله وغيرها
. لقد آن الأوان لنفض الغبار عن هذا المارد الفكري العملاق لتقديمه بديلا
فكريا لما هو موجود ، ليُزيل الظلمة الحالكة والتخبط الفكري الذي يَلُفُّ
العالم اليوم ، وليعيد إلى الناس الطمأنينة والسعادة الأبدية المنشودة .
إن في هذا المصدر العظيم كنوز تحتاج إلى التشمير عن السواعد ، واستنهاض
الهمم ، من أجل العمل الجاد المُثمر للكشف عنها ، والعمل بها ، وتطبيقها ،
وتقديمها سائغةً للشاربين .
لقد قُمتُ بصياغة هذا التعريف بناءً
على أبحاث علم النفس ، وعلم الأعصاب ، والفكر الإسلامي , وعلى بحث أقوم به
حول التفكير في نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة ، نرجو الله أن ييسر
نشره قريباً، حيث أُبين فيه تَميُّز القرآن الكريم وسبقه في موضوع التفكير
بشكل يمكن اعتباره من قبيل الإعجاز الفكري أو العقلي للقرآن الكريم . كما
اعتمدت هذا التعريف في إعداد برنامج لتحسين مهارات التفكير لدى طلاب
الهندسة الكيميائية في المختبرات والمعامل , ونُشر هذا البحث في المجلة
العالمية للتعليم الهندسي ، المجلد 17 رقم 6
ما هي مهارة التفكير وهل يمكن تَعلُّمها؟
مهارة
التفكير هي القدرة على التفكير بفعالية ، أو هي القدرة على تشغيل الدماغ
بفعالية . ومهارة التفكير - شأنها في ذلك شأن أي مهارة أخرى - تحتاج إلى:
1. التعلُّم لاكتسابها بالتمرين .
2. التطوير والتحسين المستمر في الأداء .
3. الممارسة والاصطبار على ذلك .
إن
تَعلُّم مهارة التفكير أمر مؤكد قائم فعلاً على الرغم من التشكيك المُثار
حول ذلك ، والذي مردُّه إلى أن التفكير عملية طبيعية تلقائية يقوم بها أي
إنسان . ولكن الإنسان يقوم بعمليات تلقائية كثيرة ومع ذلك فهو بحاجة إلى
تعلُّمها وتطويرها ، كما أن فطرة الإنسان لم تعد بمنأى عن التغيير
والتحريف حتى في أمور الغرائز . ناهيك عن التعصب والانحياز الأعمى
والغشاوات الكثيرة القابعة على منافذ التفكير . وعليه فان الحاجة إلى
تعلُّم التفكير وتعليمه تتأكد بأمرين:
1. اعتبار التفكير مهارة , وأية مهارة تحتاج في اكتسابها إلى التعلُّم .
2. أن التفكير عملية معقدة متعددة الجوانب تتأثر بعوامل كثيرة وتقف في طريقها العقبات .
ومما
يؤكد صدق هذا التوجه ما تقوم به الكثير من المعاهد المتخصصة والمؤسسات
التعليمية من تطبيق ذلك فعلاً على ارض الواقع ، في أماكن مختلفة من العالم
. وسوف أبين جوانب مما طبقته بنفسي على طلاب الهندسة الكيميائية أثناء
أدائهم التجارب المعملية في المختبرات التعليمية .
تميل معظم
التوجهات إلى إدخال التفكير ضمن المناهج لاتخاذه سبيلاُ للتحصيل المعرفي
وإنتاج الأفكار . وهذا أمر مُلحّ لا بد أن تتبناه كافة المؤسسات التعليمية
وتُدرجه في مناهجها لتواكب التقدم الهائل في التعليم ووسائله ، وليكون لدى
المتعلم القدرة على متابعة الكم المتسارع من المعلومات المتدفقة بغزارة .
ولكن لا بد من الحرص على أن لا يصير مآل التفكير إلى مادة دراسية لها كتاب
مقرر وتُعَد لها الامتحانات . حينها سيفقد التفكير أهميته ومهمته ، ولن
يتجاوز كونه معرفة جديدة تضاف إلى لائحة المعارف الموجودة . فإنه مما
يُؤخذ على التعليم تركيزه على إعطاء المعلومات وكثرة الواجبات والأعباء
الملقاة على المتعلمين ، مما قد يعيق عملية التفكير أثناء التعلُّم بسبب
الترك